ترشيح البابا لجائزه نوبل للسلام

سؤال تبادر إلى ذهن كل مصري وهو يستمع لأسباب ترشيح الرئيس الفلندي مارتي اهتيساري لجائزة نوبل للسلام، خاصة أن أسباب الترشيح لم تأتي مقنعة هذه المرة مثل غيرها من المرات السابقة وخاصة ما هو معروف عن ارتباط الجائزة بالعمل السياسي الذي ترضى عنه إسرائيل، وهذا ما يذكرنا بواقعة مهمة للغاية حينما أعلن عن ترشيح الرئيس المصري السادات لجائزة نوبل واعتراضه على استلام الجائزة مناصفة مع مناحن بيجن رئيس وزراء إسرائيل والمسئول عن الكثير من المذابح ضد الفلسطينيين!

والحقيقة إن عتراض السادات كان منطقياً في شكله وجوهره فكيف يتساوى من غَامَر وذَهَبَ لعرض مبادرة السلام مع مجرم اسرائيلي مثل مناحن بيجن أن يحصل على جائزة نوبل للسلام مناصفة؟ وهي كلها أسباب جوهرية إلا أن المفاجأة، أن المسئولين عن الجائزة ربطوا بين السادات وبيجن بحيث أصبحت الجائزة مناصفة ولم يكن أمام السادات خيار سوى أن يقبل مضطراً!

ورغم كثرة الأسباب التي ترشح شخصية مثل قداسة البابا شنودة الثالث للجائزة والتي سنتناولها في المقال إلا أن هذه الجائزة كما يقول الأنبا موسى فيها الكثير من السياسة والبعض الأخر يرى أنها تأتي تجميل لإسرائيل ومواقفها العدوانية من الشعب الفلسطيني الذي يواجه بالإبادة كل يوم وأوضح الأنبا موسى أسقف الشباب أن مواقف البابا لا تريح إسرائيل ولا تريح هؤلاء الفتوات الذين أقاموا من أنفسهم أعداء للبشرية!

وأضاف الأنبا موسى أن قداسة البابا يستحق أكثر من نوبل وما هو أعظم من الجائزة وبالتالي الجائزة لا تضيف إليه بقدر ما سوف يضيف هو للجائزة!

أسباب الترشيح

وحول أسباب ترشيح قداسته لجائزة نوبل بعد أن أصبح أكثر باباوات الكنيسة حصولاً على عدد لا بأس به من درجات الدكتوراة الفخرية وصلت إلى حوالي عشرة دكتوراة في كافة العلوم الإنسانية وحول أهم أسباب الترشيح على سبيل المثال لا الحصر:

*يعتبر البابا شنودة أول رجل دين مسيحي يرفض فكرة الإستقواء بالخارج في كافة الأزمات الطائفية التي جازت فيها الكنيسة مفضلاً الحل السلمي بعيداً عن الحل الإنفعالي القائم في الأساس على الأسلوب التصادمي.

* صاحب كاريزما تؤهل لامتلاك رؤية وقدرة غير عادية في التأثير في الآخر بالحجة والإقناع ولأجل هذه الكاريزما حاز على ثقة العرب والمسلمين قبل أن يحوز ثقة المسيحيين لدرجة أن الشعب اللبناني أطلق عليه بابا العرب.

* لا يحمل البابا أية أبعاد طائفية في عظاته بقدر ما يهدف إلى تحقيق التعايش السلمي بين كافة الأطراف المتصارعة ومحاولة خلق مساحات مشتركة.

*يراهن الكثيرون على وطنية البابا شنودة الذي دافع عن تراب بلده ضد كافة محاولات تقوية النزعة الطائفية التي حاول البعض توظيفها بشكل أو بأخر، بهدف خلق حالة انفصام بين المصالح الوطنية ومصلحة الكنيسة بهدف زعزعة حلة التواصل بين المصلحتين وتأليب نزعة ضد الأخرى .

*اهتم في كافة عظاته طوال أكثر من ربع قرن من الزمان بتحقيق المصالحة بين الإنسان وربه والإنسان ونفسه والإنسان وأخيه الإنسان.

*اهتم بالإنسان كإنسان بغض النظر عن لونه ودينه وجنسه وأبرزت عظاته مباديء وثقافة حقوق الإنسان باعتبارها دستور إلهى لا يجوز تهميشها أو تجاوز حدودها وكذلك باعتبارها دستور الدساتير وغاية الوصية الإلهية في كل زمان ومكان.

* يعتبر أول رئيس ديني يزور الجنود في حرب أكتوبر بعد نكسة 76 وهناك ساهم بزيارته لأرض المعركة على توفير الحافز المعنوي للجنود الذين رأوا في زيارته بمثابة إعلان تأييد السماء لاسترداد الأرض المغتصبة .

* احترم مبدأ الخلاف في الرأي مع كافة خصومه ولم يصادر حقهم في التعبير أو الاختلاف أو النقد وسمح بتعدد الآراء، ولم يستخدم حقه الكنسي في معاقبة الذين اختلفوا معه في الرأي مهما كانت درجة اختلافهم.

* تجاوز حدود الاختلاف في الرؤى مع اصطحاب الديانات الأخرى، ورغم حجم الاختلاف الجذري في الرؤى والأهداف إلا أنه سعى لتعميق العلاقة على المستوى الشخصي حتى أصبحت هذة العلاقة مثال يحتذى به فى مجال العلاقات الإنسانية ولا شك أن علاقته الوطيدة مع شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي والشيخ متولى الشعراوي في أيامه الأخيرة كانت خير دليل على تجاوز الخلاف العقيدي إلى تحقيق مبدأ الصداقة العميقة على المستوى الإنساني.

* ساهم في الترويج لثقافة قبول الأخر وفقاً لأسس ومبادئ تحترم عقائد الآخرين وتسمح بمساحة من الاختلاف دون التفريط في المساحات المشتركة، بل بالعكس عمل على زيادة المساحات المشتركة باعتبارها نقطة انطلاق لأهداف أسمى وأعمق.

* يمتاز البابا شنودة بالعقلانية الشديدة وهذا واضح في منهجية البحث الذي يعتمد عليه وكذلك لغة الخطاب الديني الذي يتبعه فهو لم يروج لثقافة تجريح الآخر أو حتى التعرض لمعتقداته بالبحث والاستدلال والاستهجان ولعل محاضرة البابا بنديكت الأخيرة كشفت حجم الاختلاف بين بابا كنيسة الإسكندرية وبابا الفاتيكان، وثقافة قبول الأخر وثقافة الإساءة إلى الأخر.

*رفض مبدأ احتلال أرض الغير بالقوة على حساب تشريده وذبح أطفاله ونساءه وشيوخه، وبعكس الآخرين لم يوظف الدين في مباركة أعمال العنف التي تقوم بها إسرائيل ولم ينزلق مثل البابا يوحنا بولس الثاني ليصدق على قرار تبرئة اليهود من دم المسيح مؤكداً التزامه بما جاء على لسان أجدادهم (دمه علينا وعلى أحفادنا).

*رفض فكرة توظيف الدين في أعمال السياسة وتوظيف وتأويل آيات التوراة لخدمة نزعات طائفية، فهاجم فكرة اليهود والصهاينة باعتبارهم شعب الله المختار واعتبر ان شعب الله المختار هو كل شعب في أي مكان وزمان يقبله الله.

* إعلان البابا المستمر أن مقره الحقيقي والدائم هو قلوب الجماهير وفق إحساس عالي بالشعور بما يشعر به رجل الشارع وبهذا الإحساس العميق فجر الحب في قلوب شعبه وأهله من مسلمين ومسيحيين، وهذا ما يعطى تفسيراً لسر الإستقبال الإسطورى الذي يستقبل به البابا في كل مرة يعود لأرض الوطن.

*دائماً ما يصلي لأجل سلام العالم في فلسطين والعراق والسودان ولبنان والبوسنة والهرسك وأفغانستان ولكل شعوب المسكونة.

جائزة نوبل


تمنح جائزة نوبل للفائزين في مجالات الطب والكيمياء والفيزياء والأدب والإقتصاد والسلام، والترشيح لجائزة السلام يجرى من خلال خبراء متخصصين وتقدم الترشيحات للجنة نوبل في النرويج ومقرها أوسلو، وأخر موعد لتقديم الترشيحات 31 يناير وهناك تصدر اللجنة التوصيات والترشيحات وترسلها لمؤسسات منح الجائزة في سبتمبر وأكتوبر ويتم تحديد الموعد النهائي من قبل لجنة نوبل النرويجية في 15 نوفمبر ثم تسلم الجائزة لحائزها في حفل كبير يعقد في 10 ديسمبر من كل عام في أوسلو.

ناجي وليم – جريدة الأقباط متحدون